الشربوت السوداني: طريقة تحضيره، فوائده، حكمه الشرعي هل حلالاً أم حراماً بالتفصيل
يُعدُّ الشربوت السوداني مشروبًا تقليديًا غنيًا ومحبوبًا في السودان، خاصةً خلال الاحتفالات بعيد الأضحى. يتكوَّن الشربوت عادةً من ثمار البلح (التمر) مع كمية من الماء وبعض التوابل كالقرنفل والهيل والقرفة والزنجبيل. يُغلى البلح مع الماء والتوابل على نار هادئة حتى يطرى تمامًا، ثم يُصفّى العصير الأحمر الناتج ويُترك ليخمّر مدة قصيرة (يوم واحد تقريبًا)، ثم يُبرد ويُقدَّم بارداً. طعم الشربوت حلو ولذيذ وعطرته جذّابة، فهو يحتفظ بفوائد البلح كاملةً بعد أن تتحوَّل إلى عصير نقي «طيب المذاق». وتشير المصادر إلى أن الشربوت نشأ في شمال السودان منذ القدم، وكان مشروب سكان بلاد النوبة القديمة على ضفاف النيل قبل آلاف السنين، ثم انتشر في أنحاء البلاد لاحقًا.
![]() |
الشربوت السوداني: طريقة تحضيره، فوائده، حكمه الشرعي هل حلالاً أم حراماً بالتفصيل |
الخلفية الثقافية والدينية للشربوت
الشربوت مرتبط في السودان ارتباطًا وثيقًا بمناسبة عيد الأضحى؛ إذ «لا تكاد تخلو مائدة سودانية من الشربوت في عيد الأضحى» ويعد جزءًا أساسيًا من فرحة العيد ومؤازرًا للولائم. ويقول السودانيون مازحين إنهم «يصومون يوم عرفة ثم يكادون يسكرون يوم العيد»، في إشارة إلى شيوع الشربوت على موائد العيد. ومع ذلك، فإن تحضير الشربوت يبدأ عادةً قبل العيد بيوم أو يومين كطقس موروث.
أمّا في شهر رمضان المبارك، فالشربوت ليس من المشروبات الرمضانية التقليدية، فالأسرة السودانية في رمضان تفضّل مشروبات أخرى خاصةً مثل مشروب «الحلو مر» المحضّر من الحلبة. فكما يشير مقالٌ سوداني، الشربوت عادة لا تُستبدَل في موائد الأضحى بأي مشروب آخر، تمامًا كما يرتبط مشروب الحلو مر بالإفطار الرمضاني. ولذلك يُعتبر الشربوت جزءًا من تراث المناسبات والأفراح في شمال السودان على وجه الخصوص.
طريقة التحضير الحلال للشربوت السوداني
لتحضير الشربوت الحلال (بدون إنتاج كحول)، يتم اتباع الخطوات التالية غالبًا:
-
غسل البلح ونزع النوى. يُغسل البلح جيدًا ويُنزع منه البذور.
-
سلق البلح مع التوابل. يوضع البلح في حلة واسعة مع الماء ويُغلى على نار هادئة حتى ينضج تمامًا. يُضاف إليه مقدار من التوابل (مثل القرنفل، والحبهان، والقرفة، والزنجبيل) أثناء السلق.
-
تصفية العصير. بعد النضج، يُصفَّى المزيج لرمي بقايا البلح والحصول على العصير الأحمر النقي.
-
التخمير القصير. يُغلق الوعاء بإحكام ويُترك العصير في مكان دافئ لمدة لا تتجاوز يومًا واحدًا. هذه المدة القصيرة كافية لإكساب الشربوت نكهته المميزة دون أن ينتج عنه كحول.
-
التبريد والتقديم. بعد انتهاء التخمير القصير، يُسكب الشربوت في إبريق أو قوارير ويوضع في الثلاجة ليُقدَّم باردًا مع أطباق اللحم الدسمة. إنّ الاحتفاظ بفترة تخمير قصيرة يمنع تحول السكر إلى كحول ويحافظ على طبيعته الحلال.
طريقة التحضير المحرم للشربوت
من الناحية الشرعية، يعتبر الشربوت المحرم ذلك الذي يُترك فيه التحلل لفترة طويلة بحيث ينتج كحولًا. ولتحضيره (من أجل التخمير الكامل) يمكن اتباع الخطوات التالية:
-
تمديد فترة التخمير. بعد السلق والتصفية، يُترك العصير مغطّى في مكان دافئ لمدة يومين أو ثلاثة أو أكثر. كلما طال زمن التخمر زادت احتمالية إنتاج الكحول.
-
إضافة المواد المخمّرة. بعض الأسر قد تضيف كمية بسيطة من الخميرة أو حتى عنبًا أو زبيبًا أو فاكهة أخرى للمساعدة على التخمر السريع. هذه الإضافات تحفِّز تفاعل السكر وتحويله إلى كحول.
-
النتيجة والتحليل. النتيجة تكون مشروبًا متخمّرًا ذا نسبة كحول تُسمى «نبيذ البلح». وعند هذه المرحلة يصبح الشربوت مسكرًا مما يوجب تحريمه شرعًا. باختصار، إذا تحوّل العصير إلى مشروب مسكر يحظر تناوله؛ لأن “كل مسكر حرام”.
جدول المقارنة بين التحضير الحلال والحرام
السمة | الشربوت الحلال | الشربوت المحرم |
---|---|---|
مدة التخمير | قصيرة (يوم واحد تقريبًا) | طويلة (3 أيام أو أكثر). |
المكونات الإضافية | توابل فقط دون خميرة أو إضافات مخمّرة | إضافة الخميرة أو العنب والزبيب أو الفاكهة المخمّرة او |
محتوى الكحول | يسوي عمليًا كحولياً (سكر فقط)؛ لا ينتج مشروبًا مسكرًا. | يحتوي على كحول (من تفاعل السكريات)، وقد يذهب العقل عند شربه. |
النكهة والنتيجة | عصير سكري عطري ذو فوائد غذائية (يؤكل في نفس يوم صنعه) | مشروب حادّ الطعم يشبه النبيذ، مضرّ بالصحة الروحية والبدنية إذا كان مسكرًا. |
الحكم الشرعي | جائز ولا إشكال في تناوله طالما لم يسكر | محرم شرعًا؛ فعن النبي صلى الله عليه وسلم “كل مسكر حرام” |
آراء العلماء والفتاوى حول الشربوت
بحسب الفقهاء والدعاة، لا يُحكم على الشربوت بالتحريم لمجرد اسمه بل بناءً على مفعوله. فقد أوضح الداعية السوداني عبد الحيّ يوسف أن الشريعة «لم تعلّق الحكم بالحلّ والحرمة على اسم المشروب، بل على علة». وذكر في فتواه: «كل مسكر حرام، فإذا كان الشربوت مسكرًا ولو بكمية كبيرة، فإنه يحرم، وإن لم يكن مسكرًا فلا حرج في شربه»
. وبعبارة أخرى، يُعتبر الشربوت الحلال إذا تم تحضيره كعصير بِلُبّ البلح (دون كحول)، ويُسمّى حلالاً بلا خلاف إذا لم يسكّر.
وينسجم هذا مع فتاوى أخرى للمسلمين، فمثلاً يقول الشيخ العثيمين: إذا تُرك مشروب التمر أو العنب أيامًا قليلة دون أن يتخمر تمامًا، فالماء الناتج منها «حلال شربه ما لم يسكر». بعبارة أخرى، كلَّ ما لم يصل إلى حالة الخمرة المحرمة فهو جائز. ولكن يجب التنبيه إلى أن أي مشروب يؤدي إلى السكر بأي مقدار يندرج تحت الخمرة المحرمة
. ولذا يوصي أهل العلم بتقصير فترة التخمر، لأن “كل مسكر حرام” كما ورد في الحديث.
الفرق بين الشربوت وغيره من المشروبات التقليدية
يمتاز الشربوت بكونه مشروب تمر مخمّر جزئيًا، بينما توجد مشروبات سودانية أخرى مختلفة عنته ومكوّناتها. على سبيل المثال، «الغباشة» هي خليط سوداني شعبي من المياه الغازية مع الزبادي أو اللبن الرائب يُقدّم بعد الأكل لتسهيل الهضم، لكنها غير مخمرة ولا تصنّف كنبيذ. كما انتشرت في الأسواق أنواع حديثة من «الشربوت» مصنوعة من الأرز أو الخبز أو الجوافة أو الكركدي، كلها تشترك في استخدام التخمير والتوابل، ولكن لا غنى في التراث عن شربوت البلح الأصلي.
أيضًا تختلف مشروبات السودان حسب المناسبة؛ فكما ذكرنا، يرتبط الشربوت بعيد الأضحى كما يرتبط مشروب «الحلو مر» بالحسومة الرمضانية. أمّا المشروبات المنعشة الأخرى مثل عصير الليمون أو البطيخ أو الكركدي فتُقدَّم في الصيف، لكنها لا تخمّر ولا تعتبر كحوليةً بأي حال. الشربوت إذًا يظل فريدًا بكونه مشروبًا تقليديًا أساسه تمر مع تخمير محدود، مما يجمع فوائد البلح مع نكهة التوابل.
تأثير الشربوت على الصحة
الشربوت السوداني غني بالمغذيات المفيدة فهو غني بالبروتين والمعادن بفضل البلح المستخدم. يساعد في الهضم سريعًا بعد وجبات اللحوم الثقيلة لأنه يزيد من حموضة المعدة ويحفِّز عملية الهضم. وتشير اختصاصية التغذية إلى أن الشربوت «يساعد في عملية الهضم لأنّه متخمّر قليلًا» ويحتوي على فوائد البلح بالكامل
. ويُعتبر الشربوت مشروبًا صحيًا ومفضّلًا لدى الكثيرين مقارنة بالمشروبات الغازية؛ فهو طبيعي المكوّنات ومفيد إلى حدٍّ كبير. ومع ذلك، يُنصح الذين يعانون من مشاكل معدية (كقرحة المعدة أو حساسية المعدة) بتجنّب الإفراط فيه، لأنه عالي الحموضة قد يسبب لهم انزعاجًا. إجمالًا، يحتمل أن يكون الشربوت مفيدًا لصحة الجهاز الهضمي، ويُمكن تناوله باعتدال كجزء من نظام غذائي متوازن.
في الختام، يظل الشربوت السوداني مشروبًا تقليديًا قائماً على العصير الطازج للتمر مع توابل طبيعية، وفقط تتحول طريقته إلى حرام إذا تجاوز حد التحلّل وظفر بنسبة من الكحول. ولأن النية في تناوله خيرٌ والله أعلم، فلا ضرر في الاستمتاع بشربوت “العيد” طالما أعدَّ بطريقة خالية من التخمر الزائد. إذا أفادك المقال بالمعلومات، فلا تنسَ مشاركته مع الآخرين ليستفيدوا هم أيضًا!